إن لم يكن ماضينا ولا حاضرنا تحت ظلّ الإحتلال كفيلاً بتذكيرنا أنّنا تحت ظلِّه، يتوجّب إذن أن نتوقّع في المستقبل القريب والبعيد التعايش معه أو تقبّله أو اسقاط صفة الإحتلال عنه سهواً!
فأشكال الإحتلال لا تقتصر على الاستيلاء على الجزء الجغرافي للوطن فحسب بل تعدّاه لاحتلال الجزء اللغوي وبالتالي الثقافي إن صحّ التعبير لدى شعب هذا الوطن، فخير دليل على ما تقدّم هو استخدام أو سوء استخدام للغة والمصطلحات لوصف الحرب على غزّة لدى العديد. ليطلّ علينا من كلّ حدب وصوب وصف "المحرقة" او "الهولوكوست" (أي ما أصطلح عليه انه محرقة ضدّ اليهود من قبل النازيّين) وكأنّ قاموسنا العربي أصبح خاليا من المصطلحات التي يمكن استخدامها لوصف حقيقة وبشاعة ما يجري في غزة كالمجزرة،أو الإرهاب، أو جريمة الحرب، أو الإبادة الجماعية....! إذ يتم بذلك الربط لاشعوريا بين "معاناة" اليهود واستحضارها للأذهان وبين معاناة الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال والحصار والتجويع من قبل كيانهم المصطنع، وبالتالي المساهمة في الترويج –عن قصد او غير قصد لم يعد مُهِمّاً طالما ان عملية الترويج قد تمّت- للدعاية الصهيونية ومزاعمها وأكاذيبها ومغالاتها، إكمالاً لعمليّة إتحافنا بسمفونيّة التطبيع لا بل التطويع اللغوي للإحتلال كقول "الجيش الإسرائيلي" بدل جيش الإحتلال أو جيش العدو، وكقول ’إسرائيل’ بدل فلسطين المحتلة، ووصف المقاومين بالنشطاء أو الناشطين! إلخ إلخ إلخ
لو كان الرقم رَجُلا لقتلته
لم يعد مقبولا أن نكون في نظر العالم أرقاما على الهويّة وعلى بطاقة التموين وعلى ورقة توزيع الإعاشة وعلى ملّف عيادات الاونروا وهيئات الإغاثة... ولا أن تكون جدران بيوتنا في المخيّمات تحمل أرقاما للدلالة علينا... ولا أن يكون حقنا في تقرير المصير وحقنا في العودة و و و... فقط أرقاما ضمن "مو قرارات" الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ليس مقبولا ان يصبح شهداءنا وأبطالنا أرقاما في نظر العالم ولا حتى في نظرنا.
نحن لسنا أرقاما، هؤلاء الذين قدّموا أرواحهم من اجل الوطن ليسوا أرقاما بل حياتا وقصصا وروايات وأحلاما وتاريخا وحاضرا وكان بالإمكان أن يصبحوا مستقبلا، بل بدمائهم التي روت أرض الوطن سينبتون حرية وسيصبحون مستقبلا.
كي لا ينام العالم فوق البائسين
لم يعد مقنعا أن تكتفي جماهيرنا العربية بالتضامن مع غزة في المظاهرات والمسيرات وال وال وال... بل يترتّب عليها تحمل المسؤولية وفاء لغزة وتضحيات غزة وبطولة غزة وأن تدفع باتجاه قطع كل العلاقات الطبيعية التي تقيمها بعض حكوماتهم مع دولة الإحتلال. فإن كانوا عاجزين عن الوقوف أمام حكوماتهم هل سيستطيعون الوقوف أمام رابع أقوى دولة عسكريا في العالم؟!
لم يعد كافيا أن يملأ الثوار الأرض ضجيجا كي لا ينام العالم فوق البائسين والمظلومين –عذرا تشي غيفارا- يجب أن يسرقوا وساداتهم وأسرّتهم أيضا.
هناك على ارض فلسطين وغزة من يقوم بذلك، هناك مقاومين رغم الحصار والتجويع ورغم أنف رابع أقوى جيش في العالم الذي لم يملك إلاأن ينجح في القتل والتدمير الوحشيين وبسط همجيته وبربريّته، إلا أن هذا أبعد ما يكون عن تحقيق الأهداف وفق مفهومي الإنتصار والهزيمة في زمن الحرب أو تحقيق انجازات أو القضاء على المقاومة.
ولإنه لا يمكن القضاء على روح المقاومة طالما هناك احتلال وظلم وهناك اشتياق للحرية والتحرير، المقاومة هي التي ستنتصر دائما وأبدا.
فيا أنتم، ويا أنتما، ويا هم، ويا كلّ الضمائر المخاطبة والغائبة خذوا حصّتكم من دمنا وانصرفوا...آن أن تنصرفوا.
آن أن تُبشِر يا وطني.... فأبشِر.
------------------------------------------------------
* سؤال ضمن جملة من الأسئلة التي يفترضها الكاتب الفلسطيني، سليم البيك، في رسم كاريكاتوري تعبيري بسيط على لسان طفل-أصبح بين ملكوت الله- خطفت روحه آلة الحرب الصهيونية لينضم إلى قافلة شهداء غزّة.
للإطلاع على أعمال سليم البيك زوروا موقع سليم البيك الشخصي على العنوان التالي:
www.horria.org
No comments:
Post a Comment