كالعادة تُخرج حقيبتها الخشبية اللون من الخزانة وتنتظر مجيئي التقليدي والدوري لاصطحابها الى أقرب مركز للاتصالات الدولية في المخيم, لإجراء مكالمة مع ذويها في فلسطين.
ما أن اطلّ عليها, حتى تبدأ بترنيمتها- التقليدية أيضاً- ترحيباً بي ,"يا أرنوبتي انتِ...ما حدا بفِشْ خلقي غيرك, الله يرضْى عليكي... الله ينجحك" وأكمل معها الترنيمة الأحب الى قلبي" يبعتلِك ابن حلال من ظهر حلال".
أقترب وأجلس بجوارها على الأريكة اليتيمة في غرفتها, لنبدأ سويّة عملية البحث عن دليل الهواتف المنشود في تلك الحقيبة التي تحتضن ذكرياتها عن أحياء وشوارع وشاطئ عكا وفلافل عكا. تحتضن تفاصيل طفولتها في قرية الشيخ داوود, وذكريات عن بيّارات اللوز والتين والزيتون... تحتضن قصصاً عن ماضٍ بعيد تذكر تفاصيله وكأنه كان بالأمس القريب.
تقاطع تأمّلي, بصورة جدّي المعلّقة على الحائط, بسؤالها: "تأكدّيلي هادا الدفتر عليه رقم أبو الفهد؟"- ابن عمها في الشيخ داوود.
أمسك بالدفتر وأسألها بدوري: "ما بدِّك تعطيني صورته؟",تجيب: "بس أموت بتوخدي كل شيء".
أردّ فوراً: "بعيد الشر. بس يعني من هلّق عم بقُلِّكْ هاي الصورة مكتوبة باسمي", أشير الى الحائط المقابل وأضيف "وهديك كمان, ويلِّلي حدها", "بعدو بزورِك بالليل؟".
تلتفت جنبيها وتؤكِّد "كان في فراشة صرِلْها أسبوع".
(وجود الفراشة أو زيارة الفراشة الى البيت إشارة إلى زيارة روح ميّت كما تؤمن والعديد من كبار السن).
ننطلق الى مركز الاتصالات, تتكئ بيد على العكّاز وبيدها الأخرى على ذراعي, ونمشي. بخطى متثاقلة وبطيئة وتنهيداتها ترافقنا طوال المشوار "آخ...انقطع نفسي-خَلَّينا نقعد على هالمصطبة", ابتسم وأعلم أنها تريد الجلوس أيضاً لتفحّص معالم البيوت وملاحظة أي تغييرات طرأت عليها.
نصل الى مركز الاتصالات أخيراً بعد عدّة استراحات, لنجده مقفلاً!
- شفتي يا ستي, قلتلِّك رح يكون بعدو مسكِّر".
- روحي شوفي بالبيت"
- لأ خلص, خلّينا ننطره, بكون نايم هلّق".
- حدا بكون بعدو نايم لهلّق؟".
لا مفر. أذهب مرغمة واعتذر على الازعاج كما كل مرّة. يبتسم صاحب المركز متفهماً ويقول. "يا حجة,بنفتح عل تسعة".
بعد عدة محاولات للاتصال بأحد الأرقام المدّونة, تتأهب جدتي وتهيئ نفسها للمكالمة. تجلس على الكرسي, وتترك العكاز مهمل قربها, وتعيد منديلها الأبيض خلف أذنها, تحاول نزع نظارتها لكني اتدخل وأساعدها. وتنتظر.
ما أن تسمع إجابة ما, حتي تنشرح معالم وجهها الذي أنهكته حياة التهجير واللجوء وانتظار العودة, يتصاعد صوتها تدريجياً انفعالاً وحماساً ويكاد لا يتوقف بين آخر أخبارها وأسئلتها عن آخر أخبارهم, من تزوج؟ من أنجب؟ من توفى؟إلخ إلخ
يمكنك الشعور برعشة صوتها وغصّة في حلقها من خلال حديثها وأسئلتها. تغرورق عيناها بعد انتهاء كل مكالمة "مع السلامة يا حبيبات قلبي سلمولي ...على الجميع ...مع السلامة".
في طريق العودة أحاول مواساتها "شو هل فستان الشلبي يلّلي لابسيتو؟ امتى خيّطيه؟" وأدعها تجيب.
ما أن نصل الى المنزل حتى تفتح تلفازها على محطتها المفضلة "الجزيرة" لتعيد على مسامعي آخر الأنباء عن غزة... والصومال والرئيس الأميركي الجديد, كما تفضِّل "الرئيس العكروت لجديد هادا أوداما".
- أوباما ياستي أوباما".
- أوداما ... ريتو يقبر أهلو... كلّن أهمل من بعض".
لن أجادلها فهي على حق هذ ه المرّة. وكل مرّة!
ما أن اطلّ عليها, حتى تبدأ بترنيمتها- التقليدية أيضاً- ترحيباً بي ,"يا أرنوبتي انتِ...ما حدا بفِشْ خلقي غيرك, الله يرضْى عليكي... الله ينجحك" وأكمل معها الترنيمة الأحب الى قلبي" يبعتلِك ابن حلال من ظهر حلال".
أقترب وأجلس بجوارها على الأريكة اليتيمة في غرفتها, لنبدأ سويّة عملية البحث عن دليل الهواتف المنشود في تلك الحقيبة التي تحتضن ذكرياتها عن أحياء وشوارع وشاطئ عكا وفلافل عكا. تحتضن تفاصيل طفولتها في قرية الشيخ داوود, وذكريات عن بيّارات اللوز والتين والزيتون... تحتضن قصصاً عن ماضٍ بعيد تذكر تفاصيله وكأنه كان بالأمس القريب.
تقاطع تأمّلي, بصورة جدّي المعلّقة على الحائط, بسؤالها: "تأكدّيلي هادا الدفتر عليه رقم أبو الفهد؟"- ابن عمها في الشيخ داوود.
أمسك بالدفتر وأسألها بدوري: "ما بدِّك تعطيني صورته؟",تجيب: "بس أموت بتوخدي كل شيء".
أردّ فوراً: "بعيد الشر. بس يعني من هلّق عم بقُلِّكْ هاي الصورة مكتوبة باسمي", أشير الى الحائط المقابل وأضيف "وهديك كمان, ويلِّلي حدها", "بعدو بزورِك بالليل؟".
تلتفت جنبيها وتؤكِّد "كان في فراشة صرِلْها أسبوع".
(وجود الفراشة أو زيارة الفراشة الى البيت إشارة إلى زيارة روح ميّت كما تؤمن والعديد من كبار السن).
ننطلق الى مركز الاتصالات, تتكئ بيد على العكّاز وبيدها الأخرى على ذراعي, ونمشي. بخطى متثاقلة وبطيئة وتنهيداتها ترافقنا طوال المشوار "آخ...انقطع نفسي-خَلَّينا نقعد على هالمصطبة", ابتسم وأعلم أنها تريد الجلوس أيضاً لتفحّص معالم البيوت وملاحظة أي تغييرات طرأت عليها.
نصل الى مركز الاتصالات أخيراً بعد عدّة استراحات, لنجده مقفلاً!
- شفتي يا ستي, قلتلِّك رح يكون بعدو مسكِّر".
- روحي شوفي بالبيت"
- لأ خلص, خلّينا ننطره, بكون نايم هلّق".
- حدا بكون بعدو نايم لهلّق؟".
لا مفر. أذهب مرغمة واعتذر على الازعاج كما كل مرّة. يبتسم صاحب المركز متفهماً ويقول. "يا حجة,بنفتح عل تسعة".
بعد عدة محاولات للاتصال بأحد الأرقام المدّونة, تتأهب جدتي وتهيئ نفسها للمكالمة. تجلس على الكرسي, وتترك العكاز مهمل قربها, وتعيد منديلها الأبيض خلف أذنها, تحاول نزع نظارتها لكني اتدخل وأساعدها. وتنتظر.
ما أن تسمع إجابة ما, حتي تنشرح معالم وجهها الذي أنهكته حياة التهجير واللجوء وانتظار العودة, يتصاعد صوتها تدريجياً انفعالاً وحماساً ويكاد لا يتوقف بين آخر أخبارها وأسئلتها عن آخر أخبارهم, من تزوج؟ من أنجب؟ من توفى؟إلخ إلخ
يمكنك الشعور برعشة صوتها وغصّة في حلقها من خلال حديثها وأسئلتها. تغرورق عيناها بعد انتهاء كل مكالمة "مع السلامة يا حبيبات قلبي سلمولي ...على الجميع ...مع السلامة".
في طريق العودة أحاول مواساتها "شو هل فستان الشلبي يلّلي لابسيتو؟ امتى خيّطيه؟" وأدعها تجيب.
ما أن نصل الى المنزل حتى تفتح تلفازها على محطتها المفضلة "الجزيرة" لتعيد على مسامعي آخر الأنباء عن غزة... والصومال والرئيس الأميركي الجديد, كما تفضِّل "الرئيس العكروت لجديد هادا أوداما".
- أوباما ياستي أوباما".
- أوداما ... ريتو يقبر أهلو... كلّن أهمل من بعض".
لن أجادلها فهي على حق هذ ه المرّة. وكل مرّة!