Saturday, 21 February 2009

أوباما يا ستي...أوباما


كالعادة تُخرج حقيبتها الخشبية اللون من الخزانة وتنتظر مجيئي التقليدي والدوري لاصطحابها الى أقرب مركز للاتصالات الدولية في المخيم, لإجراء مكالمة مع ذويها في فلسطين.
ما أن اطلّ عليها, حتى تبدأ بترنيمتها- التقليدية أيضاً- ترحيباً بي ,"يا أرنوبتي انتِ...ما حدا بفِشْ خلقي غيرك, الله يرضْى عليكي... الله ينجحك" وأكمل معها الترنيمة الأحب الى قلبي" يبعتلِك ابن حلال من ظهر حلال".
أقترب وأجلس بجوارها على الأريكة اليتيمة في غرفتها, لنبدأ سويّة عملية البحث عن دليل الهواتف المنشود في تلك الحقيبة التي تحتضن ذكرياتها عن أحياء وشوارع وشاطئ عكا وفلافل عكا. تحتضن تفاصيل طفولتها في قرية الشيخ داوود, وذكريات عن بيّارات اللوز والتين والزيتون... تحتضن قصصاً عن ماضٍ بعيد تذكر تفاصيله وكأنه كان بالأمس القريب.

تقاطع تأمّلي, بصورة جدّي المعلّقة على الحائط, بسؤالها: "تأكدّيلي هادا الدفتر عليه رقم أبو الفهد؟"- ابن عمها في الشيخ داوود.
أمسك بالدفتر وأسألها بدوري: "ما بدِّك تعطيني صورته؟",تجيب: "بس أموت بتوخدي كل شيء".
أردّ فوراً: "بعيد الشر. بس يعني من هلّق عم بقُلِّكْ هاي الصورة مكتوبة باسمي", أشير الى الحائط المقابل وأضيف "وهديك كمان, ويلِّلي حدها", "بعدو بزورِك بالليل؟".
تلتفت جنبيها وتؤكِّد "كان في فراشة صرِلْها أسبوع".
(وجود الفراشة أو زيارة الفراشة الى البيت إشارة إلى زيارة روح ميّت كما تؤمن والعديد من كبار السن).
ننطلق الى مركز الاتصالات, تتكئ بيد على العكّاز وبيدها الأخرى على ذراعي, ونمشي. بخطى متثاقلة وبطيئة وتنهيداتها ترافقنا طوال المشوار "آخ...انقطع نفسي-خَلَّينا نقعد على هالمصطبة", ابتسم وأعلم أنها تريد الجلوس أيضاً لتفحّص معالم البيوت وملاحظة أي تغييرات طرأت عليها.
نصل الى مركز الاتصالات أخيراً بعد عدّة استراحات, لنجده مقفلاً!
- شفتي يا ستي, قلتلِّك رح يكون بعدو مسكِّر".
- روحي شوفي بالبيت"
- لأ خلص, خلّينا ننطره, بكون نايم هلّق".
- حدا بكون بعدو نايم لهلّق؟".
لا مفر. أذهب مرغمة واعتذر على الازعاج كما كل مرّة. يبتسم صاحب المركز متفهماً ويقول. "يا حجة,بنفتح عل تسعة".
بعد عدة محاولات للاتصال بأحد الأرقام المدّونة, تتأهب جدتي وتهيئ نفسها للمكالمة. تجلس على الكرسي, وتترك العكاز مهمل قربها, وتعيد منديلها الأبيض خلف أذنها, تحاول نزع نظارتها لكني اتدخل وأساعدها. وتنتظر.
ما أن تسمع إجابة ما, حتي تنشرح معالم وجهها الذي أنهكته حياة التهجير واللجوء وانتظار العودة, يتصاعد صوتها تدريجياً انفعالاً وحماساً ويكاد لا يتوقف بين آخر أخبارها وأسئلتها عن آخر أخبارهم, من تزوج؟ من أنجب؟ من توفى؟إلخ إلخ
يمكنك الشعور برعشة صوتها وغصّة في حلقها من خلال حديثها وأسئلتها. تغرورق عيناها بعد انتهاء كل مكالمة "مع السلامة يا حبيبات قلبي سلمولي ...على الجميع ...مع السلامة".
في طريق العودة أحاول مواساتها "شو هل فستان الشلبي يلّلي لابسيتو؟ امتى خيّطيه؟" وأدعها تجيب.
ما أن نصل الى المنزل حتى تفتح تلفازها على محطتها المفضلة "الجزيرة" لتعيد على مسامعي آخر الأنباء عن غزة... والصومال والرئيس الأميركي الجديد, كما تفضِّل "الرئيس العكروت لجديد هادا أوداما".
- أوباما ياستي أوباما".
- أوداما ... ريتو يقبر أهلو... كلّن أهمل من بعض".
لن أجادلها فهي على حق هذ ه المرّة. وكل مرّة
!

بيت - برعاية الدول العربية




"أنا بحب الدول العربية … أنا بحب الاتحاد الاوروبي … أنا بحب الأمم المتحدة … أنا بحب منظمة العفو الدولية …" ترنيمة يُدوِّنها ويردّدها رجل استشهدت زوجته واطفاله في الحرب الأخيرة على غزة.
أحد المشاهد التي افترضها الفنان الفلسطيني ابن مخيم برج البراجنة فادي دباجة وأحسن تجسيدها في معرضه الفني "بيت- برعاية الدول العربية" الذي اقامه في المخيم مطلع شهر شباط والمتمثل بتصميم منزل متواضع يتألف من غرفتين ومطبخ وحمام.
الحمام وكما متعارف عليه هوالمكان الأكثر أمانا وحماية من صواريخ غبية طائشة في زمن الحرب، حيث يقبع ذلك الرجل مجاورا كرسي الحمام الأزرق -اللون الرسمي للأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا- ومدوِّنا ترنيمته على ورقة ليرميها في جوف كرسي الحمام ومردّدا إيّاها لتكسر أجواء الصمت المهيمنة على المتفرجين.
وهكذا تتوالى الرسالات الرمزية من باقي غرف المنزل الذي صمّمه دباجة، فمن عُبوّة الغاز الفارغة والنبتة المُتيبِّسة والجافة الأغصان في المطبخ إلى صور أشخاص تغرقها قطرات الماء المتسرِّبة من الأنابيب في الصالون وغرفة النوم.

ومن الماء ما قتل
الماء الذي يعد مصدرا للحياة يغدو مصدرا للموت البطيء واللذيذ إن تواجد في مكان لا يجب التواجد فيه أو إن
ندر في أماكن يجب التواجد فيها. وهكذا هي برأيه المساعدات والإغاثات الممنوحة للشعب الفلسطيني من قبل العرب والغرب. "عم بيقتلونا بمساعداتهم... عم بيلهونا فيها"، واصفا هذا الدور الإيجابي بالمسرحيّة لتحسين صورتهم خلال حدث طارئ والسؤال الأهم هو أين هذا الدور الإيجابي قبل الحدث الطارئ وبعده؟
هذا الدور "الإغاثي" بدا جليّا خلال حلاب غزة -وحتى خلال ما يزيد عن النصف قرن من اغتصاب فلسطين- إذ سارعت بعض الدول العربية في تمثيل الدور الأكثر اتقانا بالنسبة لها، لتبدأ عملية التنافس بين هذه الدولة أو تلك على من يقدم مساعدات ومعونات أكثر لإغاثة الشعب الفلسطيني و "نصرة لصمود الشعب الفلسطيني البطل" و"وفاءً لتضحيات الشعب العربي الفلسطيني الشقيق"... في الوقت الذي وقفت فيه عاجزة أمام الإبادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة.
وما ينطبق على الدول العربية (الحكومات وليس الشعوب) ينطبق على غيرها من دول العالم التي لعبت دورا سلبيا خلال حرب غزة. وخصوصا تلك الجهات التي تهنى بحقوق الانسان.

الأقربون أَولى
ولكن عملا بمبدأ "الأقربون أولى" كان لا بد من وقفة لوم وعتاب على الدول العربية ومواقفها "كان التحدي الأكبر بالنسبة لي وعلى الرغم من المواقف والسياسات العربية المخزية هو أن أبقى عربياً وأن لا أدع أي شيء يسلبني عروبتي... فأنا جزء لا يتجزأ من العالم العربي".

ما قدمه دباجة لا يرمز لغزة فقط "بل كل فلسطين ال 48 وال67 وكل المراحل المُرّة والبشعة التي مررنا بها كشعب فبسطيني... والتي دائما كان للدول العربية دورا ما فيها إن سلبيّا أم إيجابيّا... إلاّ أنّنا دائما من يدفع الفاتورة".

وعليه لم يأت معرضه الفني تكريما لشهداء غزة الذين ذُبِحوا بدم بارد أمام مرأى ومسمع العالم فحسب، بل تجسيدا للواقع المُر المشترك لمعاناة اللاجئين إن في فلسطين المحتلة أو في مخيمات اللجوء المؤقتة منذ العام 1948 جرّاء الغياب القسري لأبسط حقوقهم الإنسانية التي تحفظ حقهم بالتمتع بحياة كريمة ولائقة. وجرّاء اكتفاء دول العالم ودول عربية شقيقة وغير شقيقة بدور المُتفرِّج العاجز وبالتالي الراعي والمُبارِك معظم الأحيان ودور المغيث في الأحيان القليلة المتبقية.
هؤلاء لم يعد يملكون شيئا.... ما تبقى لستر عوراتهم لم يعد حتّى تحت سيطرتهم. لسخرية القدر... بل شفاعته!


Saturday, 14 February 2009

بوسطة الأخوة لكسر "حصار" مخيم نهر البارد

     
   

أسوة بسفينة الأخوة لكسر الحصار على غزة, طالبت إحدى المشاركات في مداخلتها خلال اللقاء التواصلي مع أهالي مخيم نهر البارد بمبادرة "بوسطة الأخوة" لـ "كسر" حصار مخيم نهر البارد ووقف نزيف المعاناة الذي عانى منه وما زال سكان المخيم المهجرين منهم والنازحين سواء في المخيم القديم أو الجديد أو حتى خارجهما.
كذلك شدّدت المداخلات الأخرى من قبل المشاركين، على ضرورة تفعيل دور الإعلام والمؤسسات والمنظمات المدنية والحقوقية (المحلية والدولية) لتسليط الضوء على معاناة سكان مخيم نهر البارد المستمرة ووضع حد لها والضغط على الجهات المسؤولة المعنية لمباشرة إعادة إعمار المخيم.
جاء ذلك خلال اللقاء التواصلي مع أهالي مخيم نهر البارد الذي نظّمه مجموعة من الناشطين والمتطوعين الفلسطينيين واللبنانيين تحت عنوان " نهر البارد... إن روى..." وفي ظل تخوفات الأهالي من قرار مجلس الوزراء اللبناني الأخير بتاريخ 16 كانون الثاني 2009 لإقامة قاعدة بحرية على شاطىء مخيم نهر البارد ومن قراراته السابقة بإنشاء قاعدة عسكرية برية داخل المخيم، وفي ظل استمرار الضغوط بسبب التصاريح والحواجز وعمليات التفتيش لداخلي وخارجي المخيم من سكانه أو زائريه، وذلك الاربعاء 11-2-2009 في مسرح المدينة- بيروت.
وشارك في اللقاء من أهالي المخيم وجواره كل من ممثلة "هيئة مناصرة مخيم نهر البارد" سكينة العنين, رئيس "لجنة تجار ومتاجر مخيم نهر البارد" حسن مواعد, رئيس بلدية المحمّرة الشيخ نديم تلاّوي وآخرين, وبحضور مجموعة من وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة (محلية- عربية) واعلاميين, وممثلي عن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية واللبنانية ومنظمات حقوقية محلية ودولية وفعاليات.
تخلّل اللقاء عرض لشهادات سكان مخيم البارد وجواره ومداخلات من قبل الحضور, كما تم عرض تقارير تشرح خريطة لدمار المخيم ووضعه الأمني وحالة إعادة الإعمار (مع وقف التنفيذ) وتقارير عن كيفية الحصول على التصاريح العسكرية للمدنيين والصحافيين بالإضافة الى عرض لخطوات الدخول الى المخيم ومراحله؛ من الانتظار لعبور الشريط الشائك عبر الحاجزمرورا بالتفتيش والتأكد من التصريح. كما تم عرض للوضع الاقتصادي والأزمة الاقتصادية في نهر البارد ووضع المجتمع المدني الذي تحول دوره من دور تنموي إلى إغاثي، والوضع النفسي الاجتماعي لسكان المخيم بالدرجة الأولى.
إما البارد وإما فلسطين.
هكذا ختمت عزيزة عبد الكريم شهادتها عن نهر البارد, بعد حديثها عماتُعانيه وأطفالها جّراء عبور الحواجز وتقديم التصاريح للعبور من وإلى المخيم - حيث تقيم و 28% ممن عادوا في مساكن مؤقتة (بركسات) أنشأتها الأونروا, أي أن حوالي 20,000 من السكان ما زالوا مهجرين.
" هي مؤقتة الى حين إعادة الإعمار... وكلها وعود", تقول. وتتساءل لماذا لا يسمح لهم بالعودة الى بيوتهم المدمّرة وليفعلوا بها ما يريدون طالما هم أنفسهم يرغبون بذلك, "نحنا بدنا نرجع عَ بيوتنا مثل ما هيي مدمّرة... قابلنين فيها"، مضيفة أنه لا بديل عن عودتها الى المخيم " إما البارد وإمّا فلسطين".
وتأكيداً على ذلك, تضيف سعاد حسين شهادتها عن المعاناة اليومية المستمرة لهم والمتمثّلة بالتصاريح وعمليات التفتيش والانتظار وما يخلّفه ذلك من آثار نفسيّة على الجميع خصوصاً الأطفال.
بنموت باليوم مئة مرّة
اعتبرت من جهتها سليمة القاضي في شهادتها أن المخيم يمثل البيت الثاني بعد فلسطين, مشتكيةً من مسألة التصاريح والحواجز والتفتيش ومتسائلة "كيف أحتاج إلى تصريح كي أدخل منزلي؟!". ورأت أن تدمير الكرامة أكثر إيذاءً من تدمير الحجر, "عم بنموت باليوم مئة مرّة".
وقالت سكينة العنين من جهة ثانية, أنهم "كهيئة مناصرة مخيم نهر البارد" عملوا ويعملون من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية, وتشكيل لجنة حل النزاعات بسبب التوترات في المنطقة بعد حرب البارد, وشدّدت على كوننا ضيوف في لبنان وعلى وجوب أن نكون ضيوفاً أعزاء وليس أذلاء.
مع الأمن... لكنّنا ضد الاستبداد
أكّد رئيس بلدية المحمرة نديم تلاّوي من جهته "إن العلاقة مع المخيم وأهله هي علاقة ممتازة قبل الحرب وبعد الحرب.. بل إنّها زادت المحيط تضامناً وتعاطفاً", مطالباً المسؤولين العمل على إزالة العوائق لإعادة الأمور الى سابق عهدها.
وشدّد على أن الواقع الأمني يفرض نوعاً ما من الإجراءات القائمة حالياً إلا أن ذلك لا يبّرر بعض الإجراءات التعسفية "نحن مع الأمن والحواجز والمراقبة والتفتيش لكننا لسنا مع الاستبداد"! وأضاف "البلد بحاجة الى الاستقرار, وأهل المخيم والجوار أيضاً.
ما حصل في البارد هو "هوريشيمي"
طالب رئيس لجنة تجار ومتاجر مخيم نهر البارد بإلغاء الحواجز والأسلاك الشائكة المحيطة بالمخيم, لكي لا يبقى منطقة مغلقة ولا تبقى الحركة التجارية والتبادلية مع المحيط والجوار اللبناني مسدودة, مشيراً إلى أن المخيم كان ركيزة من ركائز الاقتصاد اللبناني. وبعد الحرب إنهار الوضع الإقتصادي في المخيم "عدنا الى الصفر", إذ يبقى ما يزيد عن 50% من المصالح في المخيم معطلة, ويصل المعدل الحالي للبطالة 40% لدى العائدين الى المخيم و26% لدى أهل المخيم المهجرين ليتدنى مدخول الأسر في نهر البارد 40%.
كما نفى الإشاعات المغلوطة عن التهريب الغير شرعي في الخيم, مستطرداً "كفى ظلماً لأناس أحبوا هذا البلد... ازدهرت تجارتنا بالبارد ليس بالتهريب بل بالصدق والأمانة".
وأكد المواطن اللبناني وجار لمخيم نهر البارد عبد الله صالح على الشراكة والأخوة بين الشعبين وطالب بإلغاء التصاريح المفروضة لدخول
المخيم "بدنا نفوت عل مخيم بدون تصاريح.. أشغالنا كانت كلها بالمخيم

تجدر الإشارة إلى أن مخيم نهر البارد ما زال مصنفاً كمنطقة عسكرية وأمنية رغم مرور 19 شهراً على إنتهاء المعركة ما يصعّب من منهجية مشروع طوارئ بإعادة الإعمار التي تحتاج ديناميكية وسرعة ومرونة والتي ما زالت غيرمتوفرة.
وإلى حينه سيبقى نزيف معاناة سكان المخيم القديم والجديد من النازحين والمهجرين مستباحاً وحتى إشعارآخر!

Wednesday, 4 February 2009

أنا بحبّك يا الله ...ليش مَكُنتِش معانا تحت؟*



إن لم يكن ماضينا ولا حاضرنا تحت ظلّ الإحتلال كفيلاً بتذكيرنا أنّنا تحت ظلِّه، يتوجّب إذن أن نتوقّع في المستقبل القريب والبعيد التعايش معه أو تقبّله أو اسقاط صفة الإحتلال عنه سهواً!
فأشكال الإحتلال لا تقتصر على الاستيلاء على الجزء الجغرافي للوطن فحسب بل تعدّاه لاحتلال الجزء اللغوي وبالتالي الثقافي إن صحّ التعبير لدى شعب هذا الوطن، فخير دليل على ما تقدّم هو استخدام أو سوء استخدام للغة والمصطلحات لوصف الحرب على غزّة لدى العديد. ليطلّ علينا من كلّ حدب وصوب وصف "المحرقة" او "الهولوكوست" (أي ما أصطلح عليه انه محرقة ضدّ اليهود من قبل النازيّين) وكأنّ قاموسنا العربي أصبح خاليا من المصطلحات التي يمكن استخدامها لوصف حقيقة وبشاعة ما يجري في غزة كالمجزرة،أو الإرهاب، أو جريمة الحرب، أو الإبادة الجماعية....! إذ يتم بذلك الربط لاشعوريا بين "معاناة" اليهود واستحضارها للأذهان وبين معاناة الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال والحصار والتجويع من قبل كيانهم المصطنع، وبالتالي المساهمة في الترويج –عن قصد او غير قصد لم يعد مُهِمّاً طالما ان عملية الترويج قد تمّت- للدعاية الصهيونية ومزاعمها وأكاذيبها ومغالاتها، إكمالاً لعمليّة إتحافنا بسمفونيّة التطبيع لا بل التطويع اللغوي للإحتلال كقول "الجيش الإسرائيلي" بدل جيش الإحتلال أو جيش العدو، وكقول ’إسرائيل’ بدل فلسطين المحتلة، ووصف المقاومين بالنشطاء أو الناشطين! إلخ إلخ إلخ

لو كان الرقم رَجُلا لقتلته
لم يعد مقبولا أن نكون في نظر العالم أرقاما على الهويّة وعلى بطاقة التموين وعلى ورقة توزيع الإعاشة وعلى ملّف عيادات الاونروا وهيئات الإغاثة... ولا أن تكون جدران بيوتنا في المخيّمات تحمل أرقاما للدلالة علينا... ولا أن يكون حقنا في تقرير المصير وحقنا في العودة و و و... فقط أرقاما ضمن "مو قرارات" الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ليس مقبولا ان يصبح شهداءنا وأبطالنا أرقاما في نظر العالم ولا حتى في نظرنا.
نحن لسنا أرقاما، هؤلاء الذين قدّموا أرواحهم من اجل الوطن ليسوا أرقاما بل حياتا وقصصا وروايات وأحلاما وتاريخا وحاضرا وكان بالإمكان أن يصبحوا مستقبلا، بل بدمائهم التي روت أرض الوطن سينبتون حرية وسيصبحون مستقبلا.

كي لا ينام العالم فوق البائسين
لم يعد مقنعا أن تكتفي جماهيرنا العربية بالتضامن مع غزة في المظاهرات والمسيرات وال وال وال... بل يترتّب عليها تحمل المسؤولية وفاء لغزة وتضحيات غزة وبطولة غزة وأن تدفع باتجاه قطع كل العلاقات الطبيعية التي تقيمها بعض حكوماتهم مع دولة الإحتلال. فإن كانوا عاجزين عن الوقوف أمام حكوماتهم هل سيستطيعون الوقوف أمام رابع أقوى دولة عسكريا في العالم؟!
لم يعد كافيا أن يملأ الثوار الأرض ضجيجا كي لا ينام العالم فوق البائسين والمظلومين –عذرا تشي غيفارا- يجب أن يسرقوا وساداتهم وأسرّتهم أيضا.
هناك على ارض فلسطين وغزة من يقوم بذلك، هناك مقاومين رغم الحصار والتجويع ورغم أنف رابع أقوى جيش في العالم الذي لم يملك إلاأن ينجح في القتل والتدمير الوحشيين وبسط همجيته وبربريّته، إلا أن هذا أبعد ما يكون عن تحقيق الأهداف وفق مفهومي الإنتصار والهزيمة في زمن الحرب أو تحقيق انجازات أو القضاء على المقاومة.
ولإنه لا يمكن القضاء على روح المقاومة طالما هناك احتلال وظلم وهناك اشتياق للحرية والتحرير، المقاومة هي التي ستنتصر دائما وأبدا.

فيا أنتم، ويا أنتما، ويا هم، ويا كلّ الضمائر المخاطبة والغائبة خذوا حصّتكم من دمنا وانصرفوا...آن أن تنصرفوا.
آن أن تُبشِر يا وطني.... فأبشِر.



------------------------------------------------------
* سؤال ضمن جملة من الأسئلة التي يفترضها الكاتب الفلسطيني، سليم البيك، في رسم كاريكاتوري تعبيري بسيط على لسان طفل-أصبح بين ملكوت الله- خطفت روحه آلة الحرب الصهيونية لينضم إلى قافلة شهداء غزّة.
للإطلاع على أعمال سليم البيك زوروا موقع سليم البيك الشخصي على العنوان التالي:
www.horria.org

بس آجي على فلسطين بس....تيجي محلّي؟


صورة من الموقع الالكتروني لوكالة الأنباء معا



"إنّ الثورة تتجمّد وإنّ الثوّار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمّدة داخلي" - إرنستو تشي غيفارا.
لن يبدو الإستشهاد بهذه المقولة بالذات، في مكان آخر، أكثر ملاءمة منه هنا. فهذه المقولة أيضا، كالثورة الفلسطينية المعاصرة، "تحتفل" بمناسبة ولادتها في العام ذاته 1965.
إذن 44 عاما مضت والمقولة هي نفسها، كما كانت وكما ستبقى، ولكن السؤال هنا هل هذا أيضا ما حصل للثورة؟
خير من يجيبنا عن هذا السؤال بصدق وصراحة وشفافية، وبعيدا عن متاهات وتعقيدات السياسة والعمل العسكري، هم الناس، هم قلب ونبض هذه الثورة، ضميرها وخيرُ مقيّم لها.

ابو محمد (64 عاما) من مخيم برج البراجنة يعتبر أن الثورة كانت حاجة ملحّة للشعب الفلسطيني حينها، للبدء في إثبات الهوية الفلسطينية في ظل قيام دولة "إسرائيل" والتعامل معنا على أساس مجموعة من الناس بحاجة الى الغذاء.... وعجز تطبيق القانون الدولي لتصحيح الوضع الذي نتج عن نكبتنا. وعليه تمت الاستجابة الى هذه الحاجة وقُدم الكثير الكثير في سبيلها، ولكن خلال المسيرة وبسبب شراسة العدو ضاعت بوصلة القيادة وأصبحت الشعارات حقل تجارب لهذا الفصيل أو ذاك... كل هذه الشعارات لم تصل بنا الى أكثر من اعتراف العالم بنا كشعب يمكن أن يتعايش مع شعب آخر على أرض كان يملكها كلها بالأساس. وتساءل إن كان هذا ما نطمح اليه كشعب أو كقيادة؟

يعرب فخر حسين حرز الله من مخيّم مار إلياس (60 عاما) عن ندمه بالإنضمام إلى صفوف الثورة منذ ريعان شبابه – شارك حرز الله في عمليات فدائية عديدة داخل فلسطين إلا أن مسؤوليّة العائلة والظروف المعيشية التي واجهها دفعاه في اتجاه العمل على سيارة للأجرة منذ بداية 1985 حتى هذا اليوم.
"لم تقدّم الثورة لي شيئا، لو عملت في شيء آخر لكان عندي الآن بيتا ملكي وليس كما الآن بالإيجار". ويأسف ان ما حقّقته الثورة يقتصر على تمكُنها من جمع الشتات الفلسطيني وصنع كيان اسمه فلسطين من جهة، ومن جهة أخرى عجزت الثورة عن تقديم أي حلول للشعب الفلسطيني أو تحقيقها للإنتصار الكامل. أمّا الذي أثر على الثورة بطريقة سلبية هو الإنقسامات التي شهدتها على الصعيد السياسي الحزبي وحتى الشعبي، منذ الإنطلاقة كان هناك إجماعا ووحدة ولكن اليوم.... "أصلا ما عاد في خط سير رئيسي لنعرف بأي اتجاه ماشيين عليه".

في المقابل لا يعرب أبو صلاح (44 عاما) –مخيّم شاتيلا – عن ندمه بالانضمام الى صفوف الثورة على الرغم من تجربته، إذ يرى ان الثورة الفلسطينية أثبتت وجود الشعب الفلسطيني وحافظت على كرامته، كما ربطت المكان الجغرافي والعمل المسلّح المقاوم، مضيفا أنّ الشهيد الرمز أبو عمّار حقق أشياء كثيرة للشعب الفلسطيني ولكن الأطراف العربية والإقليمية، والإنقسامات الداخلية، هي التي خذلت الثورة وأضرّت بالقضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن الثورة مقصّرة تماما بحق الفلسطينيين وخصوصا في لبنان وفي تحسين الأوضاع الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية سيّما أن المساعدات المالية الوفيرة والتي تأتي باسم الشعب الفلسطيني لا توزّع بالشكل المطلوب على المحتاجين وأسر الشهداء واليتامى، "في ناس عاشت على ضهر ناس". يستطرد سجنت لمدة أربع سنوات بسبب إنضمامي للثورة في السجون السورية وعندما خرجت لم يسأل عنّي أحد، وقتها قررت الإنفصال نهائيا عن الثورة. ولم يخفِ تشاؤمه من اللآتي فالثورة بأمس الحاجة إلى عقيدة جديدة عزيزا للوحدة الفلسطينية التي لم تعد خطا أحمرا بالمرة.


لوحة للفنان الفلسطيني إسماعيل شمّوط
المقاومة مؤنث
لا يمكن إلا أن نستحضر تجارب المرأة الاستثناء؛ المرأة الفلسطينيّة الزوجة، الأم، الإبنة، الأخت والشريكة في النضال.
"كيف قهوتك حبيبتي؟ شكرا ما بشرب.
طيّب عصير لكان. وإلي أنا قهوة مرّة.
شايفي: قهوتي مُرّة، وحياتي مُرّة، وانا من عائلة مُرّة ويلعن هالعيشة المُرّة."
هكذا وبإيجاز تختصر إم علي مُرّة من مخيّم شاتيلا مسيرة حياتها ال64، هي زوجة شهيد، وبنت شهيد وأخت شهيد ...وابنها الوحيد في روسيا، كانت تطبخ للفدائيين لكي تربي ابنها، ولكن "شو عطونا؟ ما عطونا شي". وتكمل بإنفعال: أنا مع الثورة، مع الأشراف في الأرض المحتلّة فقط. "مش مع هدول الحرمية، ما خايفة من حدا، عايشين عيشة الكلاب بالمخيّمات، كل المصاري يللي بتيجي باسم المخيمات بتروح ...كلّو واسطات". تعود إلى وتيرة أقل انفعالا "انا لست بحاجة الى مال من الثورة، ما يهمني هو غيري في المخيمات من الأرامل وزوجات الشهداء واللاتي لا تكفيهن المساعدات المالية لتغطية المصاريف المعيشية والتعليمية لابناءهن ابناء الثورة... "في ناس ميتة من الجوع"، وتتساءل أين الثورة ومال الثورة من هؤلاء؟
تشير إم علي أيضا إلى غياب النظام والإنضباط في المخيمات إذ ان سلاح الثورة الذي استخدمناه للدفاع عن كرامتنا اصبح لقتل بعضنا البعض. "الهوية الفلسطينية ما عاد بدّي ياها، بدنا نعيش بكرامة....أنا كبيرة بالعمر بدّيش أركض بنصاص الليالى اوأنصاب بالغلط هيك....الناس بدها ترتاح". يتدخّل جار إم علي، أبو محمد (64عاما) ويضيف الثورة حافظت على كرامتنا "كنّا قبل نوكل قتل، إجت الثورة بطلنا نوكل قتل"، مبديا ارتياحه وتشجيعه للمسار الذي تمشي فيه الثورة الآن، وتأمّله بأن يجدي العمل السياسي نفعا خصوصا فيما يتعلّق بحق العودة.
"بحطها فوق راسي"
إم ماهر (52 عاما) من مخيم مار إلياس تقول أن الثورة أدخلت الفلسطينيين الى الداخل وبالتالي تمكنت من إنشاء سلطة لها داخل فلسطين، أحب منظمة التحرير الفلسطينية "وبحطها فوق راسي". والثورة هي التي ساعدتنا (رغم محدودية المساعدة) بعد استشهاد أبي.
وتعتبر ان كل ما حصل (على صعيد فلسطين ولبنان) بعد استشهاد ابو عمار ما كان ليحدث لو كان على قيد الحياة.

لا تعتبر إم محمود (53 عاما) اللبنانية ونظرا لإقامتها في مخيم مار الياس، نفسها إلا فلسطينية وبإمتياز، فبالنسبة لها "الفلسطينيّون مقدّسون" كانوا لا يترددوا في الدفاع عن الدول العربية والدفاع عن انفسهم "مين وقف منّن جنبنا؟" (نون الجماعة الفلسطينيّة).
واستنكرت إبقاء الأوضاع الإنسانية والمعيشية داخل المخيّمات بطريقة مذرية متسائلة أين الثورة من الجيّاع والمرضى والمشحّرين؟ تصمت وتضيف: "شو بدي قلك تقبريني؟" "أهم شي الوحدة والاتحاد هلّق لتحقيق النصر".

 
صورة من الانترنت
الثورة شباب

وترى مهى من مخيم برج البراجنة (23عاما) ان الثورة هي صفحة مشرفة من التاريخ الفلسطيني ويجب الإعتزاز بها ولكن الأهم هو ان لا نبقى أسرى لأمجاد التاريخ بل البناء والحكم على الحاضر من خلال الواقع المعاش ومن خلال موازين القوى لدى أطراف الصراع.
"بالنسبة إلى من يوم ما وعيت ومن أيام (قبل الثورة وخلال الثورة وبعد الثورة) ستّي كانت لاجئة، وأهلي لاجئين وانا واخوتي لاجئين. يا خوفي ولادي بكرا يطلعوا لاجئين كمان".

بالنسبة لفادي (30 عاما) من مخيّم مار إلياس، فالثورة هي مصدر فخر واعتزاز، إلا أنّ شعوره هذا تبدّل الى الخزي والعار لما آلت إليه الأمور بسبب الإقتتال بين الأشقاء... رغم ذلك لا ينكر فادي تمكن الثورة من تحقيق ثلاثة أهداف منذ انطلاقتها؛ إذ جعلت الشعب الفلسطيني ولأوّل مرّة صاحب القرار المستقل، ونقلت المقاومة أو الكفاح المسلّح من الخارج الى الداخل، وجعلت القضيّة الفلسطينية هي القضية المركزية في العالم وليس للعالم العربي فحسب.
ويعتبر أنّ ضخ الأموال بطريقة غير مدروسة على الفلسطينيّين، وتحوّل بوصلات بعض القوى نحو دول خارجية، وأخيرا الإقتتال الداخلي، من أخطاء الثورة الفادحة والتي اساءت الى مسارها الصحيح. و يرى أن التوازن ما بين خط المقاومة المسلّحة من جهة والعمل السياسي والدبلوماسي من جهة ثانية هو المسار الأنسب لإكمال الثورة وتحقيق أهدافها.
"ثورة آخر الشهر"
بالنسبة للشاب (19عاما) الملقب بأبو فوزي مخيم شاتيلا، الثورة الفلسطينية تمثل له أننا كشعب فلسطيني أثبتنا أننا أصحاب قضية أمام العالم. وشدد على أننا اليوم في أمس الحاجة الى الوحدة في الصف الفلسطيني الفلسطيني و"مداواة جراح بعضنا، قاعدين منقتل ببعض و’اسرائيل’ عم تتفرّج". وتمنى ان ياتي قائد مثل أبو عمّار إذ بعده فلت زمام الأمور، مضيفا أن الذين استشهدوا في سبيل القضية الفلسطينية وخلال الثورة ما استشهدوا لنصل الى المرحلة التي نحن فيها الآن، وهناك أشخاص كثيرون شاركوا في الثورة وضحّوا من أجلها لا يسأل عنهم احد اليوم. يقاطعه صديقه "هون ما في ثورة" ينفخ دخان سيجارته، "هون في ثورة آخر الشهر... ماتت الثورة ماتت"، ويعلّق هشام معربا عن مخاوفه من الآت وعن تصرف القيادات الامسؤول فيما يتعلق بالفوضى في المخيمات، والسكان الأجانب، وتطول لائحة الشكوى التي اجمعوا عليها بدون مقاطعة والإكتفاء بهز رؤوسهم تأييدا.
تيجي محلّي؟
أكرم الذي يقيم في قرية بيتا في مدينة نابلس، يرى أنّ الثورة الفلسطينية نجحت في إثبات وجودنا للعالم كشعب له قضيّة يناضل من أجلها "نقلتنا الثورة من حالة الإستغاثة بباقي الشعوب إلى حالة الكفاح المسلح"، يضيف أنا شخصيا مع فتح وأعتبر ان فتح هي أساس الثورة، وعلى الرغم من بعض "التخبيصات" إلا أن الثورة كانت ومازالت تحاول الوصول إلى حل فيما يتعلّق بحق العودة واللاجئين، "الثورة بعمرها ما حطّت اللاجئين على جنب".
ويرى أن الإتجاه السياسي هو الأنسب في هذا الوقت لأن "إسرائيل" تطوّرت عسكريا واقتصاديا وفكريا و"إحنا مش قاعدين بنتقدّم إشي واحد"، فأي عمل مسلح او عسكري نقوم به يكلّفنا خسارة إضافيّة نحن بغنى عنها.
هذه المرّة هو يبادر بسؤالي؛ بتعرفي يا ندّوش لو بتيجي تعملي استبيان هون في فلسطين عن هاي الأمور خاصة عند الشباب...
أقاطعه وأجيب: أنا بس آجي على فلسطين بس.
حابّة تيجي؟ يا الله شو حابب أطلع منّها، تيجي محلّي؟ يبرّر أن الثورة لم تغيّر شيء حيال الحواجز، الوقت الذي يتطلبه للوصول الى جامعته في السيارة يقارب النصف ساعة ولكن بسبب الحواجز تصبح النصف الساعة ثلاث. "كل يوم بوصل بالليل تعبان، قرفان، مهموم وهم الدراسة كمان"، يضيف ملطّفا الأجواء: "مع هادا كلّو بيجي الحب شو بدّو يعمل الواحد؟".

بعد ما يزيد عن نصف قرن من النكبة والنضال والمقاومة المشرّفة ضد الإحتلال والإستعمار الصهيونيين، مسيرة طويلة تتطلب منا القوة والوعي الكافي لنقد الذات من أجل الإصلاح وبناء ذات فلسطينية قوية متماسكة مثقفة ومحصّنة بروح الأمل والمبادرة والإندفاع والإبداع خصوصا لدى العامود الفقري للثورة لدى قادة المستقبل؛ الشباب. وبناء ثورة متوازية في بعدها الفكري والعلمي والإعلامي والأدبي والفني والعسكري، والتاريخ حافل بالامثلة لثورات ناجحة يمكن استخلاص الدروس والعبر والاستفادة منها والبناء عليها.
ما هي الأهداف التي أنجزتها الثورة الفلسطينيّة؟ ما الذي حققته الثورة الفلسطينيّة للقضيّة ولشعبها؟ أين نحن من التضحيات الجسام التي قدّمها ابناء شعبنا من أجل هذه الثورة؟ أين أخفقت الثورة الفلسطينية؟ من يتحمل مسؤولية ذلك؟ هل نجحت الثورة الفلسطينيّة في مسارها الذي اتّبعته؟ من الذي يقوم بالمحاسبة والتقييم وتصحيح المسار؟
ما هي مقوّمات الثورة أصلا؟ ما هي شروط نجاحها أو فشلها؟ كيف يتم تعبئة جمهورها واحتوائهم وحمايتهم؟
هذه الأسئلة يتوجب الإجابة عنها من قبل كل من أخذ على عاتقه تحمل مسؤولية هذا الشعب ومسؤولية قيادة هذا الشعب وقيادة ثورة هذا الشعب. هذا الشعب الذي كان ومازال المحرّك الأساس للثورة، هو شعلتها ووقودها، هذا الشعب الذي قامت به ومنه ولأجله هذه الثورة. المسؤولية الحقيقية أمام قادة الشعب الفلسطيني تكمن في تقديم الإجابات عن هذه التساؤلات، وتصحيح المسار المشرّف الذي انطلقت منه الثورة الفلسطينية وتصويبه، والإعتراف بالأخطاء التي ارتكبت للعودة للطريق والمسار الصحيح، هذا إن كانت هذه القيادات فعلا جديرة بقيادة هذا الشعب وجديرة بلقب القيادة.
وقبل الإجابة عن تلك التساؤلات يتوجّب الإجابة أوّلا عن السؤال الأهم؛ هل نحن في حالة ثورة أم ماذا؟