Wednesday 1 December 2010

كلما اقتربت منك أكثر أحببتك أكثر




ذلك اليوم كان يبدو منذ بداياته منحوسا، على عكس ما هو متوقع له ان يكون، كونني سأتبارك برؤية فلسطين واكون قريبة منها (جغرافيا طبعا) للمرة الأولى.
يومها كان الطقس مزعجا وكانت السماء تمطر، قررت ان لا أحمل مظلتي - هيك جكارة-  علّ السماء تتواطأ مع تجاهلي المتعمد لزخات مطرها فتوقفها. بحق السماء كيف لها ان تمطر في هذا اليوم بالذات؟!  من بين كل هذه الأيام لماذا اختارت هذا اليوم تحديدا لكي تمطر وتخرِّب علينا المشوار.
في الطريق الى خارج المخيم تصبّحت بصرصور، قررت أن أكون متسامحة واتجاهله كليا وكأنني لم أره.
أتوجه الى سيارة أجرة، يطلب صاحبها الانتظار "دقيقتين" لانتظار راكبة "زبونة" له، اعتاد ان يأخذها من نفس المكان وفي نفس الوقت. لا تكاد تنتهي "الدقيقتين" حتى تأتي تلك المرأة، يتجه في طريق مغاير عن الطريق العام، أستفسر عن السبب لأعلم انه في طريقه لإحضار "زبونة" أخرى! 
لم يكن أمامي سوى أن ألزم الصمت، ماذا يمكنني أن أفعل غير ذلك وأنا لم احضر مظلتي معي وقد اضطر للانتظار طويلا قبل قدوم سيارة أجرة أخرى في ذاك الوقت المبكر – ربما كان يجدر بي حمل مظلتي.
ما زاد الطين بلّة هو أن أخونا السائق قرر أن يسير ببطىء شديد التزاما منه بحد السرعة الأدنى لا الأقصى، أو خوفا من انزلاق سيارته "المكحكحة" على الطريق، يا لطيف!
كان لا بد من الوصول في الموعد المحدد وإلا سيتوجهون الى الحدود اللبنانية مع فلسطين بدوني،  خصوصا أنهم شدّدوا على الإلتزام بالوقت...
أخيرا نصل الى موقف الباصات في منطقة السفارة الكويتية.

اكمل المشوار باتجاه الجنوب، الى صيدا تحديدا لألتقي بصديقاي هناك، في الطريق لم يصادفنا حادث سير وحيد أو إثنين، بل أربعة! على خط السير المتجه الى العاصمة.
بدأت الحديث مع نفسي "أأأأففف شو بعد في مصايب ما شفناها عند هالصبح؟"، متسائلة هل يعقل أن تكون هذه إشارات من القدر تخبرني انه ما كان يجب علي الذهاب الى الحدود... هل هذه إشارات تحذرني من احتمالية حدوث شيء هناك... سرعان ما تجاهلت نفسي، كون خط السير المتجه باتجاه الجنوب يسير بشكل طبيعي.
وبعد الالتقاء بصديقاي هناك، توجهنا سوية الى مكان التجمع الذي ستنطلق منه الباصات صوب الحدود مع فلسطين، بعد انتظار الساعة تقريبا، بل تحديدا هذا إن لم يكن أكثر، تمتلىء الباصات وتنطلق أخيرا باتجاه الجنوب.

لم تكن أجواء الباص باعثة للفرح بالنسبة لي، كانت الأغلبية تتحدث وكان صوتهم مصدر إزعاج وتشتيت لتركيزي في كتاب أحلام مستغانمي "فوضى الحواس". كل هذا كان سيدفعني للإنفجار باكية، خصوصا أنهم لم يلزموا الصمت إجلالا واحتراما لاقترابنا أكثر فأكثر من فلسطين، بل استمروا في حديثهم الجماعي للاتفاق على زمان ومكان محددين للالتقاء وتناول طعام غداء سوية.

وصلنا ألى محطتنا الأولى منطقة حدودية مؤلفة من تلال مليئة بحفر تنتظر همم سواعدنا لنزرع فيها ما يقارب ال500 شجرة. وبدت هذه الفكرة مناسبة ومهمة جدا للمساهمة في الحفاظ على البيئة وأمنا الأرض. إلا أنها بالنسبة لأحد منسقي هذه الحملة هي، كما شرح لنا، مهمة للمقاومين إذ ستشكل هذه الاشجار بعد مرور سنوات عديدة، غطاء تمويهيا لهم في حال اشتباكهم مع قوات الاحتلال الصهيوني، وهذه الفكرة غير مطمئنة بالمرّة. يعني ستبقى فلسطين خلال فترة نمو الأشجار هذه، تحت ظل الاحتلال ونحن في اللجوء؟!

شفع لنا المطر متأخرا، فبعد أن هُدَّت قوانا وشارفنا على الانتهاء من زرع الأشجار، بدأت السماء تمطر ما اضطرنا للرحيل واكمل مسيرتنا في اتجاه منطقة حدودية اخرى تطل على فلسطين. وهناك لم أبك كما توقع أحد الزملاء الذين سبق وزاروا الحدود بأن يحصل، وكما أنا نفسي توقعت. إذ صحيح ان الاراضي التي نقف عليها والتي على مدِّ نظرنا هي متشابهة وأن الحدود التي تفصلنا عن وطننا هي حدود وهمية غبية،  وان بلادنا رائعة، آآآآآخ ما اروعها، لكن كل هذه الأمور من المسلمات، ولم تخطر على البال البتة في تلك اللحظات التي كانت بها رائحة الارض ما بعد المطر تعمّدنا.
كان كل الهم أن أشبع عيوني منها/ من هذا الجزء منها، ,أحفظه في ذاكرتي وذاكرة الكاميرا. كنت أرغب في البقاء أكثر هناك، أن أخلو بها ونفسي، وأتأملها.
الذي شفع لي هذه المرة هو أننا اتخذنا فلسطين بوصلتنا وعاهدناها بالنشيد الوطني بعد ان امتلأت أجزاء السماء فوقنا ببالونات من لون علمنا.

بعد تفكير عميق بالإشارات التي صادفتها خلال فترة الصباح (عادة اعتبرها إشارات سيئة لإمكانية حدوث  شيء سيّء ما، وبناء عليه كان ممكنا ان أقرر الرجوع وعدم إكمال المشوار)، ولكنها كانت لتؤكد لي مجددا أن لا طريق سهل للوصول الى فلسطين!

سأبقى على يقين بلقائنا، وعلى يقين بصعوبة الطريق لتحقيق ذلك، وعلى يقين بأنني قد أقع كثيرا،  ولكنني على يقين أيضا أنني سأقوم لأكمل في اتجاهك دائما.

No comments: