من أكثر الأمور التي تلفت الإنتباه في تغطية وسائل الإعلام وتناول الصحف العربية والعالمية رمي الصحفي العراقي منتظر الزيدي حذائيه (أو ما أصبح يصطلح عليه حذاء الدمار الشامل) باتجاه رئيس الولايات الأميركية المتحدة جورج بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونعته بوش بالكلب، خلال مؤتمر عقده الأخيران في العراق يوم السبت 13\12\2008، هو حرص بعض تلك الوسائل والصحف بنقل ما أوردته وكالة فرانس برس و"بأمانة" وصفها الزيدي ب"الوطني المتشدّد"!! وكأنّ هناك ما يسمّى ب"الوطنيّة المتشدّدة" أو "الوطنية الغير متشدّدة" أو "الوطنيّة المعتدلة" وهلمّ جرّا من نعوت وأوصاف تسويقيّة يتم تصديرها، لتصبح "الوطنية" بذلك تهمة أو وصف شنيع لتتفاوت نسبة شناعتها بحسب "تشدّدها" أو"اعتدالها"! لا يوجد حلول وسط في مسألة الوطنية إمّا أن يكون الفرد وطنيا وإمّا فلا، على كل حال هذا ليس موضوع نقاشنا الآن ولكن كان لا بد من الإشارة إليه.
ومن الأمور المثيرة ايضا هو اكتشاف كم انّنا كشعوب عربية بحاجة إلى فشّة خلق من السماء لتداعب - ولو بخجل- الأمل المخفي المعالم بطبقات سميكة من غبار الهزيمة والإتّكاليّة واليأس والخنوع....التي في دواخلنا، فالتجاوب والتأييد الذي حصده تمرّد الزيدي يبعث بصيصا من الأمل أن نادي فقد يكون هناك حياة لمن تنادي، فتُسمعه. على أن لا يتم المغالاة في الشعور بالنصر أو التفوّق، فإن لم يتم احتواء تلك الطاقات التي تولّدت لدى الرأي العام العربي والبناء عليها وحثّها وتوجيهها في مسارها الصحيح لن تحقق أي شيء عملي وستبقى في إطارها الإنفعالي والحماسي الطارىء والذي لا يحدث تغييرا أو تطويرا على الواقع.
في هذا السياق تمنّى زميل وصديق منتظر الزيدي، جرير محمد – في حديث جانبي خلال المؤتمر الصحفي التضامني مع الزيدي الذي عقد في نقابة الصحافة في بيروت يوم الإثنين 15\12\2008- أن تؤدي كل التحركات والتجمعات والفعاليات التضامنية مع الزيدي إلى الإفراج عنه، "أتمنى أن يدفع هذا التضامن وكل هذه الأصوات في البلدان العربية وفي كل العالم باتجاه الضغط لإطلاق سراح منتظر، يجب أن يقف الكل معه بمن فيهم الأمريكان إذا كانوا فعلا ديموقراطيين كما يقولون".
فالقضية لم تعد محصورة بالعراق فقط، فعولمة الإتصالات كانت كفيلة وخلال أيام معدودات بأن تجمع المئات لا بل الآلاف من المؤيدين العرب وغير العرب على موقع الإنترنت الفيس بوك لمنتظر (بفتح الظاء) المنتظر (بكسر الظاء) وما فعله، إذ بادر بعض المنتسبين إلى الموقع بإنشاء مجموعات تضامنية مع بطل الأمة الجديد. وصل عدد المنتسبين لإحدى المجموعات المتضامنة مع الزيدي إلى 66.128 عضو من مختلف الجنسيّات العربية والأجنبية (آخر حصيلة ليوم الجمعة 19\12\2008)، والتي لم تتوقع مؤسسته العراقية، سرى علني، أن يصل إلى هذا العدد كما أشارت.
بالنسبة لمحمد عاطف مصري الجنسيّة وطالب قانون في إحدى الجامعات المصرية،أنّ إنشاء مجموعته "حملة للدفاع عن منتظر الزيدي (رامي الحذاء على بوش)" والتي بلغ عدد المنتسبين إليها 3.314 عضو، هو أقل ما يمكن فعله للدفاع والتضامن مع "ما فعله منتظر لأجل الأمة العربية، والقول بأنّ العرب غير راضين عن السياسة الأميركية الإستعمارية، ورسالة للحكّام العرب أن اتقوا الله في شعوبكم".
أما المجموعة الأكثر تميّزا هي تلك التي أنشأها أحمد زعتر الفلسطيني الجنسية وطالب دكتوراه في جامعة نيويورك في الولايات الأميركية المتحدة (أطلقوا سراح منتظر الزيدي وامنحوه حذائين جديدين) بلغ عدد منتسبيها 4.014 عضو غالبيّتهم من خلفيّات أجنبية متنوعة، أستراليا واميركا وبريطانيا والنروج وإيطاليا وغيرها. وهذا التنوّع في خلفّيات المنتسبين لهذه المجموعة وغيرها برأيه ما هو إلاّ دليل على أنّ التضامن والدعم لمنتظر وما فعله هو واسع الإنتشار وأن ما فعله منتظر الزيدي هو ما أراد فعله الكثيرون من مختلف انحاء العالم.
"بدأت هذه المجموعة فور سماعي للنبأ لأنني أريد أن أظهر دعمي للزيدي وان قيامه بما قام جعلني فخورا كفلسطيني وكمناهض للسّياسات الأميركية تجاه العالم". والملفت في هذه المجموعة هو الإقتراحات التي قدّمت كطلب إحدى المنتسبات بإيجاد طريقة لترسل لعائلة الزيدي مالا كونها فقدت معيلها، وأن يصبح يوم 13\12 من كل سنة يوما عالميا لرمي الحذاء، وإرسال أحذية عبر البريد لبوش كهدايا بمناسبة عيد الميلاد، والدعوة إلى مسيرة "المليون حذاء"... وطالبوا جميع المشتركين على الفيس بوك بتغيير صورهم ووضع صور لأي حذاء تضامنا مع الزيدي وما فعله.
تعتبر الخبيرة والناشطة بشؤون الإنترنت وثقافة الإنترنت المجتمعية من الأردن المهندسة هناء الرملي من جهتها، أنّ منتظرعبّر عن موقف الأغلبية الغالبة والمغلوبة من العرب، بالانتقام بوسيلة رمزية والتي منذ تلك اللحظة أصبحت رمز بطولي، "الحذاء الرمز لم يصب رأس الرئيس لكنه أصاب سياسات الظلم والعدوان وانتهك نرجسيتها وتعاليها".
أما عن رأيها في إنشاء مجموعات على الفيس بوك تضامنا مع منتظر وأهمية ذلك وفعاليته واستمراريته بالنسبة لتفاعل الرأي العام تقول أنّه بقدر المشاركة في الفعل والتورط به بقدر ما يكون التفاعل مع الحدث، واصفة مستخدمي الإنترنت الناشطين في القضايا الوطنية والإنسانية "فرسان العصر الجديد، هم فرسان بلا خيول، أسلحتهم الكلمة مواقع الإنترنت ودروعهم أجهزتهم وشاشتهم ، وقد خبرنا هذا أول ما خبرناه في بداية الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى، حيث استنفر الإنترنتيين العرب للدفاع والتضامن والمؤازة، ولم يمضِ عام وأكثر حتى عادوا لسكينتهم واستكانتهم من جديد"، كذلك بالنسبة لجدار الفصل العنصري واستمرار الحصارعلى غزة والحرب على العراق وحرب تموز على لبنان سرعان ما توقف التفاعل معها وخمد. وهذا يعود إلى كوننا عاطفيين إلى حد الاستماتة، "نثور ونحطم الدنيا من وراء شاشات الإنترنت، وفي الواقع لانلمس شيئاً، واقصد هنا أغلب ناشطي الإنترنت الوطنيين والمدافعين عن قضايا أوطانهم وعروبتهم".
إذن الكل متّفق على أنّ منتظر الزيدي قام بما لم نجرؤ نحن على القيام به، وأنّ ما قام به هو استثناء وبطولي بكل المعايير الإنسانية، ولكن هل سنكتفي نحن بالشعور بالتفوق والفخر بشيء لم نقم به في المقام الأول؟ لماذا لا يقوم كلّ منّا بأضعف إيمانه كما فعل هو بأقواه؟
وإلاّ ماذا ننتظر من منتظر (بفتح الظاء) المنتظر (بفتح الظاء أيضا) أن ينجز عنّا بعد؟
No comments:
Post a Comment